قصيدة بعنوان : (عودة جحا : الحل الوجودي لإنهيار الوعي الجمعي)/ من ديوان : من قلب القبطان/ علاء طبال
...اكتب بدمك فتعلم حينئذ أن الدم روح (نيتشه- هكذا تكلم زارا)
.
#تمهيد : جميعنا سمع عن جحا و طرائفه و سذاجته, لكن معظمنا لم يحاول التدقيق في نكات جحا فمررنا مرور الكرام على هذه الشخصية, وعلى الرغم من اختلافنا في تحديد ماهو و في أي عصرٍ عاش لكن جميعنا يتفق أن جحا لم يظهر في زمن رسول الله (ص) و الخلافة الراشدة, و لا أعتقد أن الكثير قد دار بخلده تساؤلٌ مؤاده : ( لماذا لم يظهر جحا قبل عصر بني أمية ؟) و الجواب أن جحا كان أمة و لم يكن فرد, كان أمة في سياسة الشورى و الإدارة الجماعية قبل أن يخطف معاوية بن أبي سفيان الإسلام و يحاصره هو و من على شاكلته إلى يومنا هذا باللغة العربية المجردة من معانيها القرآنية و الفقه السلطاني الكهنوتي و منطق الفيلسوف الصيني تشوانج تسو "زوانغ زي" : ( إن الواحد هو الواحد و الذي ليس هو واحد هو أيضاً الواحد)... فكان إسلام الشورى و الإدارة الجماعية هما عين منطق أرسطو : ( إن الواحد هو الواحد و الذي ليس هو واحد لا يمكن أن يكون الواحد)... من هنا تقزمت الأمة إلى شراذم و جذاذات فكان جحا .
فقرر جحا ساعتئذ أن يجاهد ضد اللغة العربية السلطوية و الفقه السلطاني الكهنوتي و منطق تشوانج تسو بأضعف الإيمان بالنكات لأنه شرذم, فأعلن عن مانيفستو البعث و منشوراته السياسية بلبوس البلاهة و النكات, و لكي نفقه الوصايا العشر لجحا لا بد أن نضحك على نكاته من جديد و منها :
1" جاء شرطي برجلين إلى مجلس القضاء و جحا عند القاضي يحدثه في بعض شؤونه فعرض الشرطي قضية الرجلين و قال إنه وجد في الطريق بينهما أقذاراً ممنوعة, و ادعى كل منهما أن الآخر مطالب بإزالتها, لأنه هو الذي وضعها في عرض الطريق.
أراد القاضي أن يعبث بجحا, ليسخر منه, و يفضح دعواه, لأنه كان يدعي العلم, و يتصدى للافتاء.
فأحال إليه القضية و سأله أن يقضي فيها بالحق بين الرجلين.
قبل جحا تحدي القاضي, و سأل الشرطي : (هل كانت الأقذار أقرب إلى دار هذا أو ذاك ؟ ), فأجاب الشرطي بأنها كانت في الوسط بين الدارين, و إذ ذاك قال جحا : ( إذن يزيلها مولانا القاضي, لأنها في الطريق العام و مولانا القاضي هو المسؤول عن المدينة).
... ادعى جحا الولاية, فسأله السامعون عن كرامته, فقال : (كرامتي, أني أعلم بما في قلوبكم).
و عندما سألوه عما في قلوبهم, قال لهم : (كلكم تعرفون أني كذاب).
... سكن جحا داراً قديمة, كان سقفها يحدث قرقعة, و عندما اشتكى إلى صاحبها قال له : (لا تخف ! إن السقف يسبح لله).
إذ ذاك قال جحا : ( هذا الذي أخشاه, أن تدركه رقة, فيسجد علينا ).
... عرض عليه رجل رسالة ليقرأها له, فتعلل برداءة الخط, لأنه لم يكن يعرف القراءة, لكن صاحب الرسالة سأله محنقاً : (لماذا إذن, تضع هذه العمامة على رأسك, كأنها الرحى ؟).
فخلع جحا عمامته جانباً و قال له : ( دونك و العمامة, فاسألها, فإنها صاحبة العلم الذي تبتغيه).
... سئل أيهما أفضل, المسير خلف الجنازة أم المسير أمامها, فقال : (لا تكن في النعش و سر حيث تشاء).
... سأله تيمورلنك الطاغية : ( أين ترى يكون مثواي في الآخرة ؟ ).
فقال جحا : ( و أين تريده أن يكون إلا مع جنكيز خان و فرعون و النمرود و الاسكندر ).
... رأى سرباً من البط على شاطئ البحيرة, فتسلل لكي يمسك بواحدة منها, و عندما طار البط, أخرج جحا رغيف خبز, فغمسه في البحيرة و قال لمن حوله موضحاً : (إذا فاتكم البط, لا يفوتكم مرقه)".
نكات |غير شكل|, نكاتٌ من فرط غيظها بكت, إن لم تضحك فاعلم أن معاوية و السلطان و الجبة و العمامة و اللحى و الإسلام الكهنوتي و 2"الزرافة" قد منعوك و خدعوك... مات جحا من قرون خلت بحسرة أبو الفضل العباس على الحسين, بحسرة سبارتكوس على الحرية, بحسرة جيفارا على الثورة, بحسرة ماركس على تزوير لينين لفلسفته, بحسرة سيزيف و بروميثيوس من بطش زيوس, 3"بحسرة الخنازير من أحابيل كريكا", 4"بحسرة جاموقا على رابطة الدم الذي عاهده بها تيموجن"... لكن جحا أفاق من سباته و بينما هو خارج صادف نيتشه و زرادشت يمشيان سوية فصاح بهما : ( أما زلتما تنكران وجود الله ؟ ).
فأدار نيتشه و زرادشت لحاظهما على بعض بخبث و قهقها, و قالا له : 5"(ألم تدري بأن الله قد مات ؟ ! )".
و إذ ذاك ستل جحا عصاه و فلق بها أم رأس نيتشه فنقض 6"نسر و أفعوان زرادشت" و زرادشت على جحا فبقر زرادشت جحا فهوى أرضاً, و صرخ نيتشه : 7"(لقد مات الله, و نحن من قتلناه)".
فبكى جحا و قال : (لقد مات الله و نحن من قتلناه بالسلطان و اللحى, لقد مات الله كوازع في قلوب البشر).
و بعد ثوانٍ نهض جحا فركله نيتشه فهوى مجدداً و قال مخاطباً زرادشت : ( إلى الذُرى, إلى الجبال العاليات و الصروح الشامخات لعلنا نجد الإنسان الأعلى و لندع الأراضي الدانيات لجحا و العرب فالذُرى لا تليق لصغائر النفوس و كبائر اللحى).
... مشى جحا حاملاً جرحه معه و ألقى نكتةً شعرية بعنوان : (عودة الكوميديا) :
-1-
أفكر كيف أحيا ما تبقى
بدنيا كل ما فيها تعب
زادت مصائبنا و ازدادت الكرب
و لئن بقينا شعوباً غير آبهةٍ
فليس ينفعنا ندبٌ ولا عتب
لا دين يجمعنا, لا أصلٌ و لا نسب
ما عاد ينفعنا وعظٌ و لا خطب
فاصغو إلي أيها العرب :
كل نازلةٍ نحن لها حطب
-2-
أفكر كيف أحيا ما تبقى
بدنيا كل ما فيها نعيب
أرانا كالهشيم بحضن نارٍ
جذوعاً لا ترد و لا تجيب
و لم نصحوا حين اقترب المغيب
فضاع العمر و اضطرم المشيب
و كم من أنفسٍ تعبة استجارت
و ما اهتز لصرختها مجيب
و هال الخطب و ابتعد القريب
و على النعش يرقص 2"ابن اللئيم"
نغتال شدو العندليب
إذا طغى يوماً على لحن النهيق
-3-
أفكر كيف أحيا ما تبقى
بدنيا كل ما فيها تعب
و نسير في درب الشقاق كأنه
من حقنا, كأنه حقٌ مكتسب
و تحوز الزرافة فينا منزلاً
لم ترقه من قبل من جدٍ و أب
من قال إنَّا للتخلف ننتمي ! !
للخلف نمشي كي نجذب الأنظار جذب !
نحو التقدم منذ سمونا عرب ! !
-4-
أفكر كيف أحيا ما تبقى
بدنيا كل ما فيها وثن
فلم يرحل لنا حزنٌ
و لم نسعد بأوطانٍ
ذرعنا الوطن, أكثره
و قد زدنا بأشجانٍ
و من قهرٍ إلى ظلمٍ
إلى سجنٍ إلى حزنٍ
بدنيا كنهها وثن...
بدنيا كنهها وطن
لا الماء فيه وافرٌ
و لا الأمان و السكن
فلن يكون فرشنا
غير التراب و العفن
تبكي علينا النائحات
و نموت من ثقل وثن
يا فرحتي
على فراقه إذن
لا تحملوا عيالكم
و تتركوهم في ( وطن )...
اشتد الألم و قبل أن ينفق همس لعصاه :
8" الجامع ليس هو المسجد
... أين ذهب يوم الجمعة و من سرقه ؟ !
... إسلامٌ ضد الإسلام"
رد الشمروخ قائلاً : 9" يالهوان آكلٍ من لحمه بضرسه"
هكذا تكلم جحا...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 : صفحات 130 و 131 و 132 من كتاب محنة ثقافة مزورة : صوت الناس أم صوت الفقهاء ؟ - للمفكر و الفيلسوف الليبي الصادق النيهوم (1937- 1994م)
2 : الزرافة, ابن اللئيم هو ديكتاتور عربي لا أستطيع أن أذكر اسمه خشيةً على رأسي
3 : كريكا هي ساحرة في الميثولوجيا الإغريقية كانت تغري الرجال بحسنها و رهافتها و جسمها لتحولهم إلى خنازير
4 : تيموجن هو الاسم الحقيقي للإمبراطور المغولي جنكيز خان مؤسس الإمبراطورية المغولية, أما جنكيز خان فهو لقبه و يعني بالمغولية : (سيد العالم), قبل وصول جنكيز إلى سدة الحكم كان له صديق عزيز اسمه : (جاموقا) و هم أصدقاء منذ طفولتهم تعاهدوا برابطة الدم على أن يبقوا أصدقاء إلى الأبد ( عرف شائع لدى المغول و الصينين في ذلك الوقت و هو عهد شديد القدسية ) لكن رغم ذلك عادا جنكيز جاموقا و تحاربا لإشباع جشع المال و السلطة
5+6+7 : من كتاب هكذا تكلم زرادشت – للفيلسوف و الشاعر الألماني فريدريك نيتشه
8 : الصادق النيهوم
9 : أحمد مطر

الكلمات المفتاحية :
نبراس النثر