و أسائلني
منذ زمن ليس بالقريب بدأ يزورني بديلي بطلّته بين الفينة و الأخرى أمام باب منزلي الذي أًجتهد أن يبقى نصف مفتوح ،و يدي محكمة عليه ، حتى لا ينفلت مني و يتخندق في إحدى الغرف المظلمة و يعقد صفقات سريعة يصعب فسخها مع أهل البيت ، يبدو هذه المرة أكثر تأففا من ذي قبل من دوره الساخر ،شكا إليّ قسوة الضباب ، وطلب مني أن أعترف به ، عندما أكمل بثه ذكّرته بأن الحزن سيد الحياة في الداخل عندي كما هو في الخارج عنده ،و حاولت أن أخدعه ، بإظهار الحنين إلى لباسه البالية ، و وعدته بأنني لن أطيل عليه ، و أنني سألتحق به في أقرب فرصة..
لقد رأيت صورتي في عينيه جنينا ، مما يؤكد أن عودتي إليه ما زالت بعيدة جدا ،تلمع مشيمتي الآثمة في بؤبؤ عينيه كالجمرة الخبيثة ،وكان وراءه و هو يكلمني أشخاص آخرون لا ملامح لهم ، كأنه يريد أن يضغط على أعصابي بجرهم في موكب استعراضي صاخب حتى أخرج إليهم .. أخشى إذا استرجعت دوري أن لا يقع أيُ شيء مذهل، و أكبر تخوفي أن تتعطل مقصلة عيونهم ، فيضطرون إلى الكرسي الكهربائي ،ليتلطخ شدقاي برغوة كريهة لن أتحملها،الراجح أنها ستقتلني .. استفزازهم بالسؤال عن صحتي بصوت مرتفع يزيد في هياجي ، لذلك كان لا بد من الانفراد به بعيدا عنهم ، و مصارحته ببعض الحقيقة:
ـ ارجع إليهم ، و حاول أن تبدو مقنعا ، كن وفيا لابتسامتي البلهاء،و لا تطالبهم بسهمك من تلك الطريدة ، اكتفي بالملاحظة ،سينصرفون ، يمكنك مصادقة الغربان ستترك لك نصيبا محترما يليق بإنسان صبور .. ليس من اللائق أن تفسد عليهم خرافتهم فيك ، لا بد أن تبقى أسطوريا لا ترغب في أي شيء مما يرغبون فيه ، تظاهر بكره سهرات المغرب ، و بمقت معانقة الشمس على شاطئ بحر مخذول من قبل أمواجه ، الجزر هو سلطان الموقف ، لا مد للأمواج ، و لا للظل، و لا لك ..تأكد أنني سأكون معك لحظة الحساب ، لن أتركك تعدّ الجمرات الذهبية لوحدك ، مطلوب فقط منك أن تثق فيّ..لا يجدي أن تصبح عدوانيا أو أن تستهزئ بهم كي تنقش ملامح تمثالك في ورشتهم.. ليس واجبا عليك أن تعتبرهم بهائم حين تنظر إليهم و حين تخاطبهم، سيغلبونك ،لأن المطلوب هو أن لا تعتدّ بقانونهم الذي تغزله ألسنتهم بنسيج النفاق ، يحنطونك به مع ريق الطمع ،ثم يتركونك دون تعويذات متعللين بانتظار البرهان ، لم تكون دائما أنت الاستثناء الوحيد ؟ ينتظرون الدرجة العاشرة من على مقياس العصبي ليتحركوا ..هيا سأرسلك إلى آخر مهمة ،و سيستريح كلانا .. اصعد إلى ذلك الجبل الوعر ، و اقتل ذلك المتشرد الخجول الذي لا يفعل شيئا سوى ملاحظة تحركات الناس و تغير ملامح وجوههم ، يحسب كل يوم عدد تلك القسمات الصديقة و العدوّة ثم يترجمها إلى رقصات سريالية غير متفق على معناها الأصلي إلى حد الآن إلا بلغة الإشارات .
لكي لا يعرفوك ، خذ المشط و غيّر تسريحة شعرك ، ارفع صوتك ، و اصرخ دون أي مناسبة ، كن صخابا في المجالس ، و كن شكاء من نسمات الصباح الخادشة للشعور، لابد أن تعلّق على كل شيء حتى على التفاتة حمار ، لأن فيها حكمة كبيرة ، لا بد أن تكون لك دائما آراء متطرفة ، و معارضة ، و اجعل كلامك مبنيا على لوم الآخرين و إن كنت منهم .. و الأهم أن تنفي الاتهام بأنك أنت من قتلت المتشرد ، لا بأس أن تتهمني أنا ، فلن يصلوا إليّ أبدا ماداموا لا يعرفون القرابة التي بيننا .
بعدما أكملت كلامي ،تقدم إلي ببطء ، دفع الباب ، و رفع السكين ، قائلا:
ـ لقد أصبحتُ منذ مدة بديلا مشتركا ، و أنا أعمل في هذه اللحظات لحساب المتشرد ، و قد أمرني بقتلك ، فلن تفلت مني ..
هربت بسرعة من السكين ، بحثت عن مكان سري في المنزل ، تخندقت فيه، لا أرى منه إلا ظله ، تغزوني قشعريرة الخوف كلما سمعت وقع أقدامه ، و تنحنحه المؤذن بالدخول ،لو لم يكن غريبا لما تنحنح ..
للكاتب الجزائري: عبد القادر صيد

منذ زمن ليس بالقريب بدأ يزورني بديلي بطلّته بين الفينة و الأخرى أمام باب منزلي الذي أًجتهد أن يبقى نصف مفتوح ،و يدي محكمة عليه ، حتى لا ينفلت مني و يتخندق في إحدى الغرف المظلمة و يعقد صفقات سريعة يصعب فسخها مع أهل البيت ، يبدو هذه المرة أكثر تأففا من ذي قبل من دوره الساخر ،شكا إليّ قسوة الضباب ، وطلب مني أن أعترف به ، عندما أكمل بثه ذكّرته بأن الحزن سيد الحياة في الداخل عندي كما هو في الخارج عنده ،و حاولت أن أخدعه ، بإظهار الحنين إلى لباسه البالية ، و وعدته بأنني لن أطيل عليه ، و أنني سألتحق به في أقرب فرصة..
لقد رأيت صورتي في عينيه جنينا ، مما يؤكد أن عودتي إليه ما زالت بعيدة جدا ،تلمع مشيمتي الآثمة في بؤبؤ عينيه كالجمرة الخبيثة ،وكان وراءه و هو يكلمني أشخاص آخرون لا ملامح لهم ، كأنه يريد أن يضغط على أعصابي بجرهم في موكب استعراضي صاخب حتى أخرج إليهم .. أخشى إذا استرجعت دوري أن لا يقع أيُ شيء مذهل، و أكبر تخوفي أن تتعطل مقصلة عيونهم ، فيضطرون إلى الكرسي الكهربائي ،ليتلطخ شدقاي برغوة كريهة لن أتحملها،الراجح أنها ستقتلني .. استفزازهم بالسؤال عن صحتي بصوت مرتفع يزيد في هياجي ، لذلك كان لا بد من الانفراد به بعيدا عنهم ، و مصارحته ببعض الحقيقة:
ـ ارجع إليهم ، و حاول أن تبدو مقنعا ، كن وفيا لابتسامتي البلهاء،و لا تطالبهم بسهمك من تلك الطريدة ، اكتفي بالملاحظة ،سينصرفون ، يمكنك مصادقة الغربان ستترك لك نصيبا محترما يليق بإنسان صبور .. ليس من اللائق أن تفسد عليهم خرافتهم فيك ، لا بد أن تبقى أسطوريا لا ترغب في أي شيء مما يرغبون فيه ، تظاهر بكره سهرات المغرب ، و بمقت معانقة الشمس على شاطئ بحر مخذول من قبل أمواجه ، الجزر هو سلطان الموقف ، لا مد للأمواج ، و لا للظل، و لا لك ..تأكد أنني سأكون معك لحظة الحساب ، لن أتركك تعدّ الجمرات الذهبية لوحدك ، مطلوب فقط منك أن تثق فيّ..لا يجدي أن تصبح عدوانيا أو أن تستهزئ بهم كي تنقش ملامح تمثالك في ورشتهم.. ليس واجبا عليك أن تعتبرهم بهائم حين تنظر إليهم و حين تخاطبهم، سيغلبونك ،لأن المطلوب هو أن لا تعتدّ بقانونهم الذي تغزله ألسنتهم بنسيج النفاق ، يحنطونك به مع ريق الطمع ،ثم يتركونك دون تعويذات متعللين بانتظار البرهان ، لم تكون دائما أنت الاستثناء الوحيد ؟ ينتظرون الدرجة العاشرة من على مقياس العصبي ليتحركوا ..هيا سأرسلك إلى آخر مهمة ،و سيستريح كلانا .. اصعد إلى ذلك الجبل الوعر ، و اقتل ذلك المتشرد الخجول الذي لا يفعل شيئا سوى ملاحظة تحركات الناس و تغير ملامح وجوههم ، يحسب كل يوم عدد تلك القسمات الصديقة و العدوّة ثم يترجمها إلى رقصات سريالية غير متفق على معناها الأصلي إلى حد الآن إلا بلغة الإشارات .
لكي لا يعرفوك ، خذ المشط و غيّر تسريحة شعرك ، ارفع صوتك ، و اصرخ دون أي مناسبة ، كن صخابا في المجالس ، و كن شكاء من نسمات الصباح الخادشة للشعور، لابد أن تعلّق على كل شيء حتى على التفاتة حمار ، لأن فيها حكمة كبيرة ، لا بد أن تكون لك دائما آراء متطرفة ، و معارضة ، و اجعل كلامك مبنيا على لوم الآخرين و إن كنت منهم .. و الأهم أن تنفي الاتهام بأنك أنت من قتلت المتشرد ، لا بأس أن تتهمني أنا ، فلن يصلوا إليّ أبدا ماداموا لا يعرفون القرابة التي بيننا .
بعدما أكملت كلامي ،تقدم إلي ببطء ، دفع الباب ، و رفع السكين ، قائلا:
ـ لقد أصبحتُ منذ مدة بديلا مشتركا ، و أنا أعمل في هذه اللحظات لحساب المتشرد ، و قد أمرني بقتلك ، فلن تفلت مني ..
هربت بسرعة من السكين ، بحثت عن مكان سري في المنزل ، تخندقت فيه، لا أرى منه إلا ظله ، تغزوني قشعريرة الخوف كلما سمعت وقع أقدامه ، و تنحنحه المؤذن بالدخول ،لو لم يكن غريبا لما تنحنح ..
للكاتب الجزائري: عبد القادر صيد

الكلمات المفتاحية :